اليابان تحقق سرعة إنترنت خيالية: كيف وصلت إلى 1.2 بيتابت في الثانية؟ إليك التفاصيل الكاملة
في عالم تتسابق فيه الدول لتطوير البنية التحتية الرقمية، تقف اليابان مجددًا في الصدارة، حيث أعلن المعهد الوطني لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في اليابان (NICT) عن تحقيق رقم قياسي عالمي جديد في سرعة نقل البيانات عبر الإنترنت، حيث وصلوا إلى سرعة خيالية بلغت 1.2 بيتابت في الثانية، وهي سرعة لم يسبق أن تم تسجيلها من قبل في العالم، وتفوق آلاف المرات ما هو متاح حاليًا حتى في أكثر الدول تطورًا.
لكن كيف تمكنت اليابان من تحقيق هذا الإنجاز؟ وما نوع الكابلات والتقنيات التي استخدمت؟ وكم تبلغ سماكة تلك الكابلات؟ وهل يمكن اعتماد هذه التقنية في الحياة اليومية قريبًا؟ دعنا نستعرض كل هذه النقاط بالتفصيل.
من هو المعهد الوطني NICT؟
المعهد الوطني لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (NICT) هو مركز حكومي تابع لوزارة الشؤون الداخلية والاتصالات اليابانية، ويُعتبر الذراع البحثي الأول في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية والذكاء الاصطناعي والحوسبة المستقبلية.
ويملك المعهد سجلًا طويلًا من الابتكارات، ويعمل على تطوير شبكات الجيل السادس 6G وتقنيات الألياف الضوئية متعددة النوى، التي كانت حجر الأساس في هذه التجربة المذهلة.
نوع الكابل المستخدم: ألياف ضوئية متعددة النوى
في هذه التجربة، لم يُستخدم كابل ألياف ضوئية عادي كما هو الحال في الإنترنت المنزلي أو شبكات الاتصالات التقليدية. بل استُخدم نوع خاص يُعرف باسم Multicore Fiber أو "كابل الألياف الضوئية متعددة النوى".
ما الفرق بين الألياف التقليدية ومتعددة النوى؟
الألياف التقليدية تحتوي على نواة واحدة فقط (Core) يمر من خلالها ضوء واحد يحمل البيانات. أما الألياف متعددة النوى فتحتوي على أكثر من نواة داخل نفس الكابل، مما يسمح بإرسال بيانات عبر عدة قنوات ضوئية متوازية داخل نفس الشعيرة.
في هذه التجربة، استخدم الباحثون كابلًا يحتوي على 4 نوى مستقلة داخل الليف الواحد، كل واحدة تنقل البيانات بشكل منفصل، وهو ما يشبه إلى حد كبير امتلاك 4 طرق سريعة داخل نفق واحد!
السماكة والمكونات الدقيقة للكابل
رغم احتواء الكابل على 4 نوى، فإن قطره لم يكن كبيرًا مقارنة بالكابلات التقليدية، حيث بلغ فقط 0.125 ملم تقريبًا، وهو نفس القطر الخارجي للألياف الضوئية القياسية. هذا يعني أن الكابل الجديد لا يتطلب بنية تحتية مختلفة كثيرًا عن الحالية، ما يجعله مثاليًا لتحديث الشبكات مستقبلاً دون تكاليف ضخمة.
ولكن داخل هذا القطر الدقيق، احتوى الكابل على:
- 4 نوى (Cores) تفصلها مواد عازلة دقيقة.
- غلاف حماية خارجي مغلف بالبوليمر لضمان المرونة والمتانة.
- طبقة تثبيت ميكانيكية لحمايته من الاهتزاز والضغط.
ما هي المسافة التي قطعتها البيانات؟
تم إرسال الإشارة الضوئية عبر الكابل لمسافة 51.7 كيلومترًا، وهو إنجاز هائل. ففي العادة، تقل جودة الإشارة كلما زادت المسافة بسبب التشتت والضوضاء، لكن الفريق الياباني استخدم تقنيات متقدمة لتقوية الإشارة والتحكم فيها بدقة عالية، دون الحاجة إلى أجهزة تضخيم (Repeater) على طول المسار.
تقنيات دعم السرعة: كيف وصلوا إلى 1.2 بيتابت؟
تحقيق سرعة 1.2 بيتابت لم يكن ممكنًا فقط بفضل نوع الكابل، بل أيضًا عبر مجموعة من التقنيات المتقدمة:
- تقسيم الطول الموجي (WDM): تقنية تستخدم أطوالًا موجية متعددة من الضوء في نفس الوقت على النواة الواحدة، مما يعني أن كل نواة لا تنقل فقط تدفق بيانات واحد، بل عشرات التدفقات في وقت واحد.
- تعديل الإشارة بدقة: مثل 64-QAM و DP-QPSK والتي تسمح بضغط عدد كبير من البتات في كل نبضة ضوئية.
- معالجة رقمية للإشارات (DSP): مرحلة تعتمد على الخوارزميات والذكاء الاصطناعي لتحليل وتصحيح الأخطاء، والتأكد من وصول البيانات بجودة عالية دون تأخير أو فقدان.
مقارنة بالأرقام: ماذا تعني هذه السرعة؟
- تحميل أكثر من 10,000 فيلم بدقة 4K خلال ثانية واحدة.
- نقل مكتبة جامعة رقمية كاملة في دقائق.
- إمكانية بث مباشر بجودة 16K دون أي تقطيع.
هل يمكن استخدام هذه التقنية تجاريًا؟
حتى الآن، هذه التجربة لا تزال في نطاق البحث والتطوير، ولكن الخبر السار هو أن الكابلات المستخدمة ليست ضخمة أو مكلفة بشكل يمنع استخدامها التجاري مستقبلاً. بل على العكس، فإن تشابهها من حيث الحجم مع الألياف التقليدية يجعلها مرشحًا مثاليًا لتحديث الشبكات العالمية دون الحاجة إلى حفر أو تمديدات جديدة ضخمة.
من المتوقع أن تستفيد من هذه التقنية:
- شبكات مراكز البيانات العملاقة.
- أنظمة المدن الذكية.
- البنوك ومؤسسات الأمان السيبراني.
- محطات الفضاء وشبكات البحث العلمي.
ماذا بعد؟
اليابان لا تتوقف عند هذا الحد. فخطة المعهد NICT تشمل تطوير ألياف بـ 12 و 16 نواة، وبإمكانات تصل إلى أكثر من 10 بيتابت في الثانية في المستقبل القريب. كما يتم العمل على تقنيات ضغط ضوئية وهجينة بالليزر قد تضاعف هذه السرعات في غضون سنوات.
خلاصة
ما فعلته اليابان هو إثبات أن الإنترنت السريع الذي نحلم به ليس بعيدًا عن الواقع. ومع هذا النوع من التطور، قد نصل قريبًا إلى نقطة يصبح فيها "التحميل" أو "الانتظار" شيئًا من الماضي.
الإنترنت كما نعرفه اليوم قد يتغير تمامًا، وهذه التجربة ما هي إلا نافذة صغيرة على المستقبل... مستقبل تنقلك فيه البيانات بسرعة الضوء، حرفيًا.